القرآن شريعة عالمية تعترف بجميع الأديان السماوية وتساوي بين البشر.
عندما يقرأ المؤمن
كتاب الله العظيم بعقل لم يكن لغير الله أدى بيعة العبودية فتجرد من جميع الولاءات
لغيره ،فكان عبدا له وحده وهو سيده الأوحد الواجب الطاعة ،ظهرت له عظمة ما أنزل الله
ملك الوجود الحاكم على كل أهل السماوات والأرض بأمره في خلق لم يوجدهم غيره.
كما تبين له أن
هذا الدين هو دين هذا العصر دون غيره من الأزمنة وكأنه ما كان إلا لهذه الفترة التي
يمر بها العالم البشري ومتطلباته الظرفية المستعجلة.
كما يظهر له من
القرآن الفارق الشاسع بين ما عُمل به منه وبين حقيقته المثلى، وبعد أهله عنه.
إن حامل هذه الرسالة
العالمية لا يمكن له إلا أن يكون أب البشرية جميعا، ومالك هذا الكوكب ،والمسئول عنه
كاملا أمام الله تبارك وتعالى . لكونه خليفة في أرضه أتاه حق إدارته والتصرف فيه وألزمه
حياته وحياة من عليه.
ما أنزل الله من
دين إلا ليصلح البشرية والكوكب الذي تحيى عليه فحرم فيه قتل النفس أيا كانت والفساد
في الأرض بكل أنواعه والعدالة بين البشر وكل ذلك لضمان أفضل حياة للناس وللأرض.
ولنأخذ الجوانب
التي جمع فيها الله بين البشر في الإسلام باختلاف تنوعهم واعتقاداتهم.
كان على كل رسالة
أن تصل إلى الناس لتظهر فوائدها وتضرب للناس المثل في الحياة الأفضل .ولذلك أرسل الله
العلي العظيم رسله منذرين ومبشرين مخاطبا فيها العقل أولا وقبل أي شيء لتكوين مجتمعا
راقيا متضامنا متآخي يؤمن للفرد الأمان بكل متطلباته .ولا بدا أن يعترض على تلك القيم
الإنسانية من لا تخدم مصالحه تلك الأفكار وكانت على مر الزمان مصالح اقتصادية أو طائفية.فتحاول
محاربة تلك الدعوة بكل الوسائل فيكون لا بدا من الدفاع عن تلك الرسالة لذا فرض الله
القتال على المؤمنين ليس لمصلحة الله ولكن لمصلحة البشر.
ولتكون الدعوة
الإسلامية عالمية آوت إليها جميع أتباع الديانات السماوية بكونهم يتشاركون في نفس الغاية
التي فرضت عليهم في كتبهم كهدف تصل إليه الرسالة التي أنزلت إليهم وهو الإصلاح الكامل
في كل الموجود.لأن الإقصاء هو أن تجعل من أقصيت عدو لك والتبني هو أن تجعله معينا لك.
فتتضافر الجهود
لبلوغ المأرب المنشود وهو أمان البشرية ووحدتها كنوع عاقل مكلف بإحياء الأرض.
إن الله أرسل رسالة
واحدة للبشرية وإن تعددت الرسل بنفس الهدف والحكم ليكون هو السيد المعلم الرب ،والبشر
عبيدا يُحكمون بما أمر وذلك هو الدين كله.
وما كان المرسلين
إلا مبلغين لتلك المبادئ الرسالية يُشكرون على ما بلغوا كوسيطة بين الله ملك البشر الدائم الذي لا يغيب بغياب رسول
أو نبي. فتفرق البشر في المرسلين بينما الأحكام هي نفسها والهدف هو نفسه .ولم يكن ذلك
من الدين بل من البشر حسدا بينهم أو تشبثا بانتماء ذلك الرسول أو النبي.
قال الله العلي
العزيز.
وما محمد إلا رسول
قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن
يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين.144.آل عمران.
وما كان الرسول
هو صاحب الدين ولكن الملك الذي أرسله هو الذي له الدين وليس بغياب الرسول ينعدم الدين.
وقد جعل الله لكل
دين حجة باقية ضمن الله حفظها مهما زاغ عنها أتباعها والحفظ هو بقاء الأصل من كل دين
وهو الشريعة ولم تمس الشريعة في أي كتاب من الكتب السماوية إلا أن يكون سوء تفسير والموجود
لدى جميع أتباع الديانات السماوية و حتى المسلمين.ولا يقولن أحد أن التوراة والإنجيل
ليسوا بذكر الله الذي تعهد بحفظه فهما ذكر الله وهو من حفظ الشريعة فيهما كما حفظهما
في التابوت المقدس الذي فيه بقية ما ترك المرسلين والأنبياء جميعا ،ولا يُستبعد وجود
القرآن العظيم فيه لإمكانية وضعه في ليلة الإسراء من طرف رسول الله محمد عليه وآله
الصلاة والسلام أو بطريقة أخرى.
وقال لهم نبيهم
إن أية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وال هارون
تحمله الملائكة إن في ذلك لأية لكم إن كنتم مؤمنين.248.البقرة. وتلك هي البقية التي
ذكرها الله تبارك وعلا.
ولو أن كل أمة
عادت لكتابها لكان الناس أمة واحدة ولاندثرت كل البدع التي ألحقوها بدين الله العزيز.وللعلم
أن الله لن يطالب أي أمة إلا بكتابها. قال الله العلي العظيم.
وَلِلَّهِ مُلْكُ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ
وَتَرَى كُلَّ
أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا
كُنتُمْ تَعْمَلُونَ.28.الجاثية.
ولكل ملك حكم وحكم
الله في كتابه.
والقرآن العظيم
أمر الجميع بتطبيق شريعة الله التي أنزلت إليهم وساوى بينهم في الحقوق والواجبات .قال
الله العلي العظيم.
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ
الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ
جَنَّاتِ النَّعِيمِ
وَلَوْ أَنَّهُمْ
أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ
مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ
مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ
بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ
وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ.67.المائدة.
وفي قوله والله
يعصمك من الناس يؤكد أن هذا الأمر لن يعجب المسلمين وسيعارضونه وهو ما حدث بالفعل فزكوا
أنفسهم كما فعل اليهود والنصارى من قبلهم .والله تبارك وتعالى يقول.
ليس بأمانيكم ولا
أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا.123.النساء.
كما أن الله الحكيم
حرر الفكر وجعل كل نفس مسئولة عن نفسها ولم يحمل أحدا وزر أحد ولم يجعل حتى الرسول
الذي أرسله مسيطرا على الناس فارضا للدين إكراها.
لا إكراه في الدين
قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا
انفصام لها والله سميع عليم.256.البقرة.
والرشد هو سبيل
السلامة في الدنيا والآخرة والغي هو سبيل الفساد الموصل للهلاك في الدنيا والآخرة.وهذا
يضمن حرية الاختيار للنفس مع تجنب الإفساد في الغير.
ومن هنا إني أدعو
المسلمين إلى دعوة العالم إلى إتباع الله في ما أنزل وما آمن به الناس لتحقيق وحدة
العالم ومنع الفساد في الأرض. وليكونوا لما وكلهم الله به يد عليا على الناس بما استخلفهم
وقبل ذلك أن يعودوا إلى الحقيقة في كتابه حجة حجج الله على المسلمين واليهود والنصارى
والعالمين الذي لو طبق كما أنزله الله وكأنه ينزل اليوم لكنا أمة واحدة ولجمعنا العالم
تحت حكم الله الذي لا تختلف فيه الكتب السماوية..
محمد علام الدين العسكري.القصرين.تونس
الزيتونة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق